قليلة هي الأعمال الأدبية كالرواية ما تتحقق فيها كلمة الكاتب، فالرواية هي فن تصوري لواقع ما سواء كان حقيقيا أم خياليا، فالغوص في الخيال دائما ما يكون هروبا من واقع مؤلم متأزم و لكن الرواية الحقيقية الصلبة هي التي تبني نفسها بالواقع، تواجه خيبات الأمل، تواجه الأزمة و الفقر و الأمراض، تواجه كل ما ينخر المجتمع بكل طبقاته و فئاته، و هنا لا يسعني الحديث عنها و عن أنواعها و لكن كأنموذج أعتقد أنه تحققت فيه هذه الواقعية في سرد حقيقة الواقع من أجل استشراف المستقبل، أقدم لكم رواية "على درب الحلم"، للكاتب المغربي رشيد أعراب، التي طبعت بمدينة بركان الشرقية، فجاءت متضمنة بين طيات ١٩٨ صفحة، أما غلافها فقد جاء بلون أزرق مع لوحة للفنان رضوان السكاك و هي عبارة عن صورة لشخص في طريقه من منطقة مظلمة نحو نور يسطع على طريقه، فاللوحة تتفق تماما و عنوان الرواية " على درب الحلم" فالدرب هو الطريق أو المسلك و هو حيث يخطو الشخص في اللوحة، و الحلم هو ذاك النور المنبثق من أمامه وكأنه آت من المستقبل...
تدور أحداث الرواية حول حسن (بطل الرواية) الذي ينتمي إلى طبقة فقيرة كادحة، يتابع دراسته بمستوى الباكالوريا، تلاميذ يعيشون عالم شبه مثالي داخل المؤسسة في الألفية الثالثة، تلميذات بصبغات شعر مختلفة و مساحيق رخيصة عادة تكون عواقبها وخيمة و لكن من يبالي...
هكذا تبدأ الرواية، يدخل حسن في قصة غرامية سرعان ما تبوء بالفشل بسبب فقره، لأن التي أحبها(عبلة)، تزوجت غنيا بمجرد تقدمه لخطبتها، تخلت عنه و عن وعودها التي قدمت له، و تخلت عن حلمها الدراسي، فيتذكر جملة كان يكررها أستاذ اللغة العربية "إذا دخل المال من الباب خرج الحب من النافذة"، تتطرق الرواية إلى مدى تغلغل الماديات في كل جزئيات حياتنا ،حتى الحب صار قابل للبيع و الشراء، رغم المعانات المادية و العاطفية إلا أن حسن عزم على مواصلة درب الحلم و تحقيق أمنيته في حصوله على شهادة الباكلوريا...
اجتاز الإمتحانات ثم ذهب للعمل كمساعد في البناء، فهو على خلاف الأغنياء، لا اصطفاف، لا بحر لا استجمام.
في جو بهيج-درامي تنقل لنا الرواية صورة يوم إعلان نتائج الباكالوريا، صراخ، ضحك، بكاء و إغماء، و زغاريد، و طقوس غريبة لدرأ العين...
حصل حسن على الباكلوريا و كتم سعادته احتراما لمشاعر الذين لم يوفقوا في النجاح...
ذهب إلى المدينة حيث الجامعة، في هذه المرحلة التي سيقضي فيها ثلاثة سنوات من عمره، تكشف لنا فيها الرواية عن حياة الطلبة بكل مناحيها، حياة الفئة الغنية و سياراتهم الفارهة...، و حياة أبناء الكادحين و معاناتهم و صبرهم، و طريقة عيشهم و انسجامهم و تواضعهم و كرمهم و إثارهم، الرواية لم تغفل يعانيه الطلبة في الحافلات من زحام و مع الفئات العامة داخل المجتمع خاصة الغير متعلمة او تلك التي لم يحالفها الحظ في متابعة دراستها...
و في السنة الثالثة و هي الختامية بالتعليم الجامعي المغربي يدخل بطل الرواية للمرة الثاني في علاقة غرامية جديدة كادت أن تجعله ينسى التجربة الأولى لو لم يدخل المال من الباب مرة الثانية، ليقلي الحب بنفسه من النافذة، تركته و تزوجت من تقدم لخطبها، لكنه لم يتأثر كثيرا هذه المرة بحكم اعتياده على تلقي الصدمات، في نفس الفترة تقريبا فتح حساب بريده الإلكتروني ليجد صورة طفل في المكان المخصص للصورة الشخصية بحساب (عبلة )، تواصل معها فأخبرته أنها تزوجت مرغمة و أنها تعاني مع شخص لم تحبه، تمنى لها الأفضل و حذف الحساب...
انهى دراسته الجامعية، و شارك في مبارة للوظيفة فنجح و توظف، فتحققت عبارته "من صار على درب الحلم وصل"....
تتناول الرواية مجموعة من القضايا و المشاكل الإجتماعية الشائعة على رأسها؛ الفقر و النظرة التشاؤمية للتعليم في المغرب، و عدم احترام قوانين السير، و عدم إلتزام شركات النقل باحترام المواطن المغربي، و عدم وعي الفئة العامة بحقوقها وواجباتها و تفشي الرشوة، والسرقة، والإجرام، والدعارة، و غياب وعي طلابي متحد، و الخوف من المجهول و من المستقبل الضائع في بلد يغيب فيه تكافئ الفرص و تسود فيه المحسوبية و الزبونية...
رواية امتازت بوقعيتها في تصوير الأحداث، تناولت موضوع الفقر و تأثيره على الدراسة، عندما تبدأ في قراءتها تشعر وكأنها تتحدث عنك، تروي تجربتك، تصف واقعك،
رواية استطاع الكاتب و الأستاذ رشيد أعراب أن يحقق فيها مفهوم الرواية الواقعية التي تناولت أحداثها و شخصياتها و أسلوبها من المجتمع و المحيط الذي تنتمي إليه...
حضور المرأة في روايته ارتبط بما هو عاطفي كتجربته الأولى عبلة و الثانية مع حياة، و هي بالنسبة له في عصرنا رمز للتبدل و أن حبها لا يؤمن عليه، غير ذلك نجد المرأة حاضرة أيضا تساند البطل إذا كانت تجمعهم علاقة صداقة شريفة غير متبوعة بحب...
امتازت رواية "على درب الحلم" بلغة عربية فصحى سلسة مبتعدة عن التوغل في الألفاظ الغربية، فهي لغة تكاد تكون مثل لغة الحديث اليومي، و هذا ما يميز الرواية الواقعية فهي قادرة على النزول إلى أدنى مستويات اللغة لأن الرواية لييت غايتها اللغة بل إصال الرسالة و معالجة القضايا التي تتطرق إليها في قالب سردي متسلل و متكامل البنيان...
ما يمكنني قوله على هذه الرواية هو أنها ستحظى بمكانة مهمة عند القارئ العربي كونها تلامس واقعه و تدعو ضمنيا إلى السعي و الجد و المثابرة إلى محاربة الواقع بالأمل، و أختم لكم هذه المقالة بمقتطفات من الرواية لم ترسخت في ذهني منذ أن قرأتها لأول مرهة:
- عندما كان حسن يرغب في توسيع باب الصبر لديه يتذكر شعاره الذي يؤمن به "تجرأ أن تحلم و سيتآمر معك الكون كله"...
- و من الصفات التي تلازم الفقراء " أنهم يبقون على قيد الأمل مهما حاول اليأس أن يقتله".
- و رغم المشاكل فحسن لا يستسلم " لابد من دوس الشوك إن كان من أجل قطف الورد".
-"...معظمهم طلبة يعني من الفئة التي من المفروض أنها مثقفة...إن الثقافة لا تكفي في مثل هذه المواقف.
- أمقت أن أبدو ضعيفا أمام الآخرين شأني في ذلك شأن الكثير من الفقراء الذين يختارون التعفف مذهبا، البعض منهم تجزم أنهم لم يذوقوا العوز في حياتهم لكنهم في الحقيقة عاشوه في أبشع صوره".
المصدر :
- رواية : على درب الحلم للكاتب المغربي رشيد أعراب.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك لنا تعليقا عن أي استفسار، التعاليق تشجعنا لأنها مهمة لمحركات البحث، لا تنسى ولو التحية "السلام عليكم" 👋😁