هل قرأت بالكتاب (المسيد)؟..طجين البول من أغرب ذكرياتي

طاجين البول من أسوأ ذكريات المسيد


دخلت الكتَّاب -المسيد- منذ أن كان عمري أربع سنوات وتعلمت به إلى أن وصلت التاسعة، وبعدها انتقلت إلى  المدرسة ورغم ذلك لم أتخلى عن المسيد بل كنت أزاوج بينهما.
كان الأستاذ يسخر من رداءة خطي، وصفا إياه بحقل البطاطيس، وطرق النمل، الشيء الوحيد الذي كان يشفع لي هو حفظي للقرآن و قراءتي للنصوص العربية بمستوى لابأس به.

أتذكر ذات مرة كنت في الكتاب مع(فقيه) وكان له ابنين، أحدهما صديقا لي، و في صباح  السبت ضربه  ضربا مبرحا، تبا كم كنت أرغب في الدفاع عنه و أرد لأبيه الصاع بصاعين!، و لكن هيهات هيهات!، كلما نظرت إليه أرى الزيت في جبينه يغلي أو على لحيته تقطر ، حتى أنفه لم يسلم منها، رجل مدمنا على الزيت، دائما مشرقا، هذا ابنه و انظر الطريقة التي يضربه بها مبررا ذلك بالتعليم، فما بالك لو وقعت بين يديه، لابد من طريق للهروب!.
كلفنا في نفس اليوم بإحضار وجبة الغذاء(النوبة)، خرجنا من المسيد وصديقي يأن من وجع ضربة اللوح على كتفيه، بعد أن غبنا عنه قليلا شرع في سبه ولعنه لعنا مبينا، يمكنك أن تتخيل الصالح و الطالح.
 على كل حال حصلنا على الغذاء و كان طاجين لحم تتحرك له الأمعاء مع خبزتين ساخنتين، في طريق عودتنا مررنا بمقبرة (سيدي الحسن)، جلسنا نتحدث عن الفتيات أحيانا و نسخط على الفقهاء أحيانا أخرى، لحظة لم تكن في الحسبان، لازلت أتذكر تفاصليها بدقة و هي حين قال:
- "ابن الفاعلة يضربني بقوة لأني ابن زوجته الأولى، و الآخر ابن الملعونة زوجته الثانية يحيطه بكل العناية و الرعاية خوفا من سخطها عليه".
 حاولت تهدأته لكنه أتم الكلام قائلا: -" تبا لهما و هذا الغذاء لن يصل إلى بطن أمهما سالما لنأكل اللحم و نترك لهم عظامه".
 كنت من السامعين الطائعين، أكلنا اللحم و خبزة و تركنا لهم المرق و بعض أنصاف البطاطيس تسبح فيه، ظننتها النهاية، و لكنني لاحظت بأنه ينظر للطاجين بنظرات حاقدة، ساخطة جدا، سألته عن السبب، و دون أن يجيب تبول لهما فيه، غطاه وخلطه جيدا ثم أتممنا طريقنا إلى المسجد.
 لم أستطيع امتلاك نفسي من الضحك، وفي داخلي خوف رهيب من أن يكتشف أمرنا، لازلت أتذكر جيدا كيف أكل أبوه و أخوه الصغير بنهم، و هم يلعنون الأيادي التي أعدته، واصفا إياهم بالجياع، و بعدم احترام حرمة الفقيه، طلب منا الأكل معهما فرفضنا و اكتفينا بالخبز و الزيت و تبادل النظرات التي تجعلنا ننفجر ضحكا من الداخل، لولا خوفنا من العصى التي تتكأ هي الأخرى على المائدة لكانت قهقهتنا تسمع من "الكلايريس"، حشى أن نأكل معكما سيدي الفقيه هذه وجبة أعدت لكما خصيصا...

منذ ذلك اليوم تركت المسيد إلى الأبد، و بعد حوالي عشر سنوات التقيت بصديقي، كبر وصار أبا لطفلين، تحسنت ظروفه، هو الآخر ترك المسيد، جلسنا في مقهى مطلة على البحر بالجبهة و دخنا سجارتين وسخرنا من الماضي ثم افترقنا...

تعليقات