قراءة في ديوان (يا صاحبة الجلالة) للشاعر و الإعلامي العراقي حامد المجمعي


قراءة في ديوان (يا صاحبة الجلالة) للشاعر و الإعلامي العراقي حامد المجمعي


شاعر و صحفي جاء مع كوكبة من الأدباء في ثمانينات القرن الماضي، عرف بمقالاته الصحفية كما عرف بهمساته الشعرية، عاشق للكلمة الراقية، روح حالمة، معروف بتواضعه و قوة شخصيته و سداد رأيه، معروف بحبه لسيدة الحب، تلك التي أسرت قلبه، إنها صاحبة الجلالة الحاضرة بقوة في كل قصائده، المعروف بلقب راهب الحب و شاعر السلام، و شاعر أرض الحب، إنه الشاعر حامد المجمعي.


قبل الإنتقال إلى القراءة في الديوان لابد لنا من أن نعرج في عجالة على نبذة تعريفية بصاحب الديوان؛ ألا و هو الشاعر الاديب و الإعلامي حامد المجمعي، من مواليد 1964، ازداد ببيت ﺭﻳﻔﻲ ﺻﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺗﻞ ﺍﻷﺳﻤﺮ ﻓﻲ محافظة ديالي ببزﺍﻳﺰ ﺧﺮﺳﺎﻥ، ﺗﻌﻠﻢ ﺍﻷﺩﺏ ﻣﻦ ﻣﻀﻴﻒ ﺟﺪﻩ ﻭ ﺃﺑﻮﺍﻩ ﻋﺒﺪ ﻣﺤﻤﺪ، ﺃﺧﺬ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻖ ﺑﻴﺌﺘﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺣﺘﻀﻨﺖ حضارة ﺃﺷﻨﻮنة، و ﺗﻌﻠﻢ ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ يد ﺍﻹﺫﺍﻋﻲ العربي المعروف ﺷﻔﻴﻖ ﺳﻌﻴﺪ ﺳﻌﺪﻭﻥ، نشط في ﺟﻤﻌﻴﺔ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺍﻧﺘﺨﺐ ﻧﺎﺋﺒﺎ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ، و هو ﻋﻀﻮ ﻣﺆﺳﺲ ﻓﻲ ﺍﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﻴﻦ ﻭ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻴﻦ، و  ﻋﻀﻮ ﻣﺆﺳﺲ أيضا ﻓﻲ ﺗﺠﻤﻊ ﺍﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻴﻦ، و ﻋﻀﻮ ﻓﻲ ﻧﻘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻔﻨﺎﻧﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻴﻦ، و ﻋﻀﻮ ﻓﻲ ﺍﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻴﻦ ، و عمل مديرا ﻟﺒﺚ ﺇﺫﺍﻋﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، حصل على عدة جوائز و كتب شكر و دروع الإبداع من خلال أنشطته و مشاركاته في عدة ندوات و أمسيات أدبية سواء بالعراق أو خارجه عن بعد،  و لعل لقب شاعر الحب و السلام من محافظة ديالي بالعراق، و لقب شاعر أرض الحب من أساتذة الأدب العربي بالجزائر ، و لقب راهب الحب من لبنان، هي الشواهد التي يعتز بها. أما عمله الصحفي فقد تميز بتألق مقالاته بعدة جرائد، ورقية كالشرق، و الثورة، و الجمهورية، و الدستور، والمنار...، و إلكترونية كصدى الحياة العراقية، و تذكرة حب، و جلة سجال العرب...، و له لقاءات تلفزيونية مع عدة قنوات عربية كقناة الدروب الفضائية، و ديالي، و السومرية، العراقية، و الفرات....، للشاعر حامد المجمعي دوانين منشورين، (أرض الحب)، و ديوان (يا صاحبة الجلالة) الذي سوف نتعرف عليه بعد قليل، وقد صرح بأن له أعمال أخرى لم ترى النور بعد، كديوان (يا بنت السياب)و ديوان (صرخة حب في روح مهاجر)، و مخطوط  (سيرة و مسيرة عراقية)، و قد اعترف بأن سبب تأخره في النشر له سببين، أولا يعتبر نفسه صحفيا بالدرجة الأولى و الشعر هواية حب للكلمة و تفجير لما يجول في الخاطر بالنسبة له، و السبب الثاني يتعلق بدور النشر التي يعتبر معظمها أصبح لها هاجس مادي أكثر من اهتمامها بقيمة المضمون الادبي و رقيه، كما أن الميدان الثقافي لا يقدم له دعم مادي أو معنوي من قبل المؤسسات المختصة، كما أن صفة الأنانية و النفاق الإعلامي، و إلغاء الأخر و تهميشه طغت على الساحة الأدبية، و أصبح الأن مجرد سلعة مستهلكة فكثرت الصناعات الكلامية و الإبتعاد عن المواضيع الأساسية ففضل النشر عبر حساباته التواصلية على أن يقع بين فكي دار نشر تستعبده و تستغله، و أن يحافظ على غزة نفسه، و أن يطلق العنان لخياله و ألا يجعل من قلمه لسان يخدم أهداف خاصة ثم يلقى به في الأخير في سلة مهملات التاريخ.
     جاءت في طيات  ديوان يا (صاحبة الجلالة) تسعة و تسعون قصيدة، تنوعت بين قصائد حرة، و نثرية، و عمودية، كما اختلفت في النوع اختلفت أيضا في مواضيعها، ما بين ما هو سياسي و اجتماعي، و بين ما هو روحي وجداني، حين تقرأها تجد نفسك داخل حديقة تنوعت ورودها، و تعددت ألوانها، و نسائمها، فترفرف بك منتشيا، يحلق بك الخيال في سماء القصيدة، فكل تأويل قد تقدمه قد يناسبها، و هنا يتميز إبداع الشاعر المتمرس المتمكن من النظم و النسج، مسثمرا رموز ذات دلالات متعددة، تدخل بك في عالم جديد من المعرفة و تزرع فيك فضول البحث، و لعل خير مثال على ذلك قصيدته (وطن):
أنا أقدم مخلوق للحب
أول وطن للحياة
قلب أنانا سومر
عشتار بابل
قيثارة أور
جمال الأجساد
رقة الأرواح
قدسية عنترة
نجاة العرب...
هكذا ولد الحب في أعماقي...
و أيضا نجد إبداعاته الشعرية تكشف لنا عن ثقافته الواسعة، ما بين التاريخ و الميثولوجيا، و الفلسفة و علم النفس، و فن الرسم والموسيقى، و التكنولوجيا من كمبيوترات و تقنيات التواصل الاجتماعي، شخصية متعددة المشارب، مواكبة للتطورات الحاصلة في العالم ككل و في الجزء العربي منه خاصة، و خير دليل على ذلك ما جاء في قصيدته (وحوش):
وحوش
يريدون أن تشتم أفلاطون
أن تتبول فوق نيوتن
تقتل فينوس و عشتار
تحرق الموناليزا
تلعن الخليل و سبويه
تهشم كل أجهزة الكمبيوتر
تقتل كل الطيبين في العالم...
إن قصائد الشاعر حامد المجمعي خصبة بالإستعارات، و التشبيهات، عذبة بموسيقاتها الداخلية، تسحر الألباب و تطرب القلوب.
يا حبيبتي
يغازلك سكان الأرض
تبايعك الأرواح العاشقة
تصفق لك أوتار الموسيقى
ينحني إليك بيتهوفن و زرياب
يغرد الصباح في صوت البلابل
يقبلك النسيم في خدود الورد..
ما لا يمكن إغفاله، و هو أن ديوان ( يا صاحبة الجلالة) تقريبا كل قصائده تنتهي بعبارة (سيدة الحب)، و كل قصيدة تجد بها نداء للحب و السلام و نبذ العنف و الجهل، و إزدراء الطائفية، و القبلية العمياء، و كل هذا ينم عن شخصية شاعرنا السمحة، المحبة للخير:
الحب يقتل في أخاديد الجروح
تتعانق الأرواح قبل الوداع
الجهل متسيد الطرقات
السماء تبكي لا تمطر
الأحزان تسكن الديار...
و هاجس المرأة عنده لم يقتصر على الحب فقط و إنما تعداه لأبعاد أخرى، فتجده في قصيدة له بعنوان(امرأة شرقية) ينادي بتحرر المرأة الشرقية من القيود التي تحكمها؛ من أعراف و عادات و تقاليد، ليس لها أي أساس أو غاية سوى تحقير المرأة و تهميشها، هو يتحدث عن تلك المرأة التي تؤمن بأن مكانها يكون دائما وراء الرجل و ليس بجانبه، تلك المرأة التي تعتبر نفسها لا تساوي شيئا و في الحقيقة لولاها لما تقدمت الأمم و لولاها لما كان ذاك الرجل الذي يخلق ضعيفا و حين يشتد عظمه يضعها خلفه، إنها تلك المرأة الأم التي وضعت الجنة تحت أقدامها، إنها الأخت، و الزوجة، و المعلمة، و الطبيبة، إنها مربية الأجيال:
أنا إمرأة شرقية
تحكمها الأعراف!...
كوني قوية..
متحررة..
أكره ذاك الصمت الذي يقيدك..
انفضي غبار الخجل
حلقي بأنوثتك...
لا مجتمع بدونك
يا مروضة الأسود
بك يكبر الحنين
يرسم الجمال
أحلام الحب
- مدي جناح جمالك في الآفاق
اكتبي في شفتيك قصص العناق
تدحرجي بين أحضاني
أنا الظمأ و أنت المطر
ألهميني كي أكتب أحرفي...
و تجد شخصية الصحفي طاغية على الشاعر في الأسلوب و اللغة البسيطة العذبة،  و ما يبقى للشاعر سوى أحاسيسه الجياشة و إلهامه، و غموض الرموز التي يعتمد عليها :
يا وطن السياب..
ذبحوك بسيف التتار
قتلوا فيك ضحكات الصغار
أغرقواسفينة السندباد وسط البحار
مزقوا ملحمة كالكامش
أحرقو ألف ليلة و ليلة
قتلوا الحسين مرة أخرى
هدموا الخيام و الديار
مسحوا تاريخ حضارتك
تنكروا لسرجون و أكد
و كذبوا أور
دارسوا فوق مسلة حمو رابي
و سحقوا أشور
لا يا وطني...
مولد الحرف و القلم
ما غمد سيف العدا فيك و لا لثم
أحبك يا وطني
يا وطن سيدة الحب.
تجد شعر حامد  المجمعي أحيانا خريف حزين مليء بالأسى و الغضب و الثورة:
جرح يفجر رئتي
وجه يكفنه الغبار
شمس سوداء
نور يبحث عن عود ثقاب
الكل خونة
حتى الحب ابن الكلب
لا يوجد سوى الحقد المقدس
تقام له الصلوات
لا ..أعرف لما أرفض واقعي!
كي أعيش!
في عالم تحكمه البندقية
قتل الحب....
كما تجده أيضا مليء بالسرور و السعادة، و الرومانسية، و كأنك في فصل ربيع تنوعت ألوان زهوره، تعلو نسائمه في الأفق تبشر بهبوب عواطف جياشة:
-تعالي يا حبيبي
نغسل الدماء بأوراق الكافور
نزرع أشجار الريحان
نطير بأجنحة الملائكة
نضمد جراحنا بالحب
وحده الحب يصنع السلام
تعالي يا حبيبتي...
-دعيني أعانقك
كصحراء تشتهي المطر
لتعزف السماء لحنها
لترقص الأضواء بنشوة السمر
ما أجملني حين أشدك
أشبع تنهداتك العاشقة
أشعر بارتخاء شفتيك بفمي
فيدركني الغرق
فوق وسادة الإلتصاق
حيث يصبح صدري جنديا لرماحك...
و يسكن الجمال الخالد بمحرابك.
في حوار للشاعر حامد المجمعي مع جريدة الشرق العراقية، و قد حاوره الصحفي كامل كريم الخيلاني، سأله عن من تكون سيدة الحب بالنسبة له، فأجابه بأن سيدة الحب هي للقارئ، و في حياتي هي كل شيء، المكان و الزمان، الطبيعة، و الوجود الإنساني..هي الأم و الأخت و الزوجة، هي تلك المثقلة بحمل و آهات المجتمع، هي المدينة...
يعتبر الشاعر حامد المجمعي، ثمرة مباركة لمنطقة تل الأسمر و مفخرة لمحافظة ديالي خاصة و للعراق عامة، ذاك الوطن الذي طالما تميز بحركاته العلمية و الأدبية. و بسبب ما تمر به العراق في الأونة الاخيره قد هجر الشاعر من بيته و أحرق مكتبه الذي كان يضم خمسة مائة كتاب، و هو الأن في حالة صحية جد متدهورة حيث يعاني من الفشل الكلوي، نرجو له الشفاء العاجل، و نرجو عودة السلام الذي ينادي به إلى بلده العراق، و في الختام أترككم مع هذه اللوحة الجميلة التي رسمت بالكلمات، و هي بعنوان (صمت):
صمت
لا أعرف ما يحدث لي
عندما أكتب اسمك
فوق رقائق الورق
ترتعد أشيائي
تصمت أحاسيسي
تبدأ السطور بالنطق
أشم رائحة دخان
أجسمي أم القلب يحترق
يمزق الشوق
أتحول إلى ذرات..
بل أدق..
تحسسي مواقع جسدك
حتى الشفتين
و بين النهدين حيث يدكني الغرق
أنا العشق..
أنا الألم..
أنا الأرق
أنا عصفور سدرة
داعبه نسيم بل أرق
أنا أرض غنت لروعة الودق
أنا الصبح
أنا الليل
أنا الغروب
أنا الشفق
أنا كل شيء فيك
اليوم و الأمس و ما سبق
أقولها لك
بكل إحساس حب صدق
أحبك يا سيدة الحب

المصدر:
- ديوان يا صاحبة الجلالة للشاعر و الإعلامي العراقي حامد المجمعي.
- جريدة الشرق العراقية ( حوار مع الشاعر حامد المجمعي).
لتحميل و قراءة الديوان
اضغط هنا
الحجم 1,5 mb

تعليقات