ما الفرق بين لغة الشعر ولغة النثر؟.. تعرف على الاختلاف في هذه المقالة

ما الفرق بين لغة الشعر ولغة النثر؟.. تعرف على الاختلاف في هذه المقالة


لفرق بين لغة الشعر ولغة النثر؟، أليس كلاهما لغة عربية لها نفس القواعد ؟!، هل الفرق في الوزن؟ أم أنه لا فرق بينهما، وهذا الإشكال لا اساس له؟

الحق أن هناك فرق واضح بين الشعر والنثر، ولعل الفرق الأوضح والأبرز هو المظهر الخارجي، سواء في نظام الشطرين الملفت للنظر، أم في التفعيلة والموسيقى العروضية التي لا تدرك إلا بالتلحين الغنائي أو بالتقطيع العروضي، لكن هذا لا يشكل فرق جوهريا، وإن كان فرقا معتبرا..

والفرق الحقيقي يتجلى في علاقة اللفظ بالمعنى، فالكاتب النثري له معنى يبحث له عن ألفاظ مناسبة للتعبير عنه، لكن الشاعر له ألفاظ يبحث لها عن معنى مناسب يضمنه لها ويجعل عليه قرائنا، إذ أن النثر غالبا ما يكون شارحا لأحداث معينة، أو لمادة علمية، أو معبرا عن قصة متخيلة، فالمعنى سابق للغة،
أما الشاعر لمَّا يمسك القلم لا تكون لديه أي فكرة عما سيكتب، فيبحث عن الموضوع، وهنا نلاحظ أن إرادة الكتابة سبقت الغرض الذي سيكتب فيه بخلاف النثر يكون هناك حاجة للشرح أو الإخبار فيضطر الكاتب أن يعبر عنه.
ثم إن الشاعر وهو يكتب لا يكتب القصيدة كموضوع متناسق ابتداء، وإنما يكتب كل بيت على حدة -في الغالب- ثم يبحث عن الخيط الناظم بين الأبيات وقد يضطره ذلك لتقديم بيت عن آخر أو إضافة بيت لأجل السياق..

ثم إن ألقينا نظرة على الشاعر عن قرب وهو يكتب البيت الشعري تجده يكتب ثم يحذف، ثم يقدم ويؤخر؛ أي ليس له معنى محدد وإنما عنده معان محتملة يصطاد أجملها، فقد يقصد بلفظ معنى معين ثم يظهر له ما هو أوفر منه فيعْدل عن الأول..
وهذا ما يعطي للشاعر فسحة كبيرة ليضمن ألفاظه الموزونة معان راقية، أما من يقدم المعنى ثم يبحث له عن اللفظ فغالبا ما يكون شعره مجرد نظم أجوف، وهذا ما يحصل مع أصحاب المنظومات العلمية؛ إذ أن لديهم قواعد ومعان جاهزة، وهم يبحثون لها عن ألفاظ موزونة مسجَّعة، وكثير من الشعراء يقعون في نفس الفخ فتجد شعرهم باهتا فارغا..
إذن ما دور الوزن في ذلك ؟! لما يحتاجه الشاعر ويستغني عنه الناثر ؟!.
الناثر ينطلق كما سلف في كتابته من المعنى، فتكون مهمته إيجاد ألفاظ مناسبة للتعبير عنها، كما أن لغة الناثر تفصيلية مطاطة مليئة بالحشو والفضلة من الكلام؛ ليضمن إيصال المعنى المراد على وجه التحديد، إذ أنه لو فهم القارئ فكرته على غير الوجه الذي أرادها سيكون خاسرا، وقد فشل في إيصال المعنى..
أما الشاعر فينطلق من اللفظ أولا، واللفظ لا يمكن أن يفصله في الهواء، وأقل شيء ينطلق منه هو الوزن وهو يحمل في نفسه بعضا من المعنى العام، مثل صيغة فاعل في فاعلن، وصيغة المفعول في مفعولاتن.. الخ.
ثم إن لغة الشاعر لا تتحمل الحشو والإطناب؛ إذ أنها ليست شارحة ولا قاصة، فالوزن تقييد يعين الشاعر على التخلص من الحشو الزائد، فالبيت لا يسمح له إلا ببضع كلمات ليرسم بها صورة معينة، فيضطر إلى الاختزال والإيجاز، وذلك ما يجعله يحافظ على الزبدة من الكلمات الفصيحة والاستعارات المليئة بالمعاني..
كما أن الشاعر ليس له معنى أولي يقصده بعينه، فلا ضير إن فهم القارئ من كلمة أو جملة واحدة معنيين فأكثر، بل ذلك يمنح النص امتيازا ويجعله حمالا للوجوه، بخلاف الناثر الذي يحشد ما استطاع من ألفاظ ليضمن أن لا يختلط المعنى المراد بغيره،
وهذا يوضح لنا كم هي لغة الشاعر مفتقرة إلى الوزن.

لذلك أصحاب الشعر الحر لما أرادوا التجديد والتحرر من القيود الكلاسيكية كما يسمونها، استطاعوا أن يتخلصوا من قيد القافية واكتفو ببعض الأسجاع للغرض الإيقاعي فقط، لكنهم لم يستطيعوا تجاوز الوزن، فحافظوا مرغمين على أقل ما يمكنهم وهو التفعيلة التي تحمل في وزنها معان أولية ينطلق منها الشاعر، والذي اضطرهم إلى التحرر من تلك القيود كما يقولون؛ هو كونها تقيد الدفقة الشعورية، أي أنها تمنع الشاعر من التعبير عن المعنى براحته، وهنا يظهر جهلهم بقيمة الشعر الحقيقية وهو كون اللفظ سابق للمعنى، وهم أرادوا تقديم المعنى على اللفظ، لذلك كانت قصيدة التفعيلة لها معنى واحد، لا يمكنك أن تقتطع منها سطرا أو سطرين مع المحافظة على المعنى، بل لابد أن تأخذ القصيدة كلها أو تتركها كلها، أما الشعر العمودي يمكنك أن تأخذ بيتا واحدة فتجده يحمل داخله معنى مستقل بذاته، وتأخذ بيتين فتجد لهما معنى يشتركان في بنائه، وقد تأخذ شطرا واحد فتجد له معنى ينفرد به، وربما تأخذ جملة فتجدها ترسم صورة مستقلة..
وهذا الفرق ناتج عن الوزن والقافية، بقدر ما تحررت منهما بقدر ما اقتربت من النثرية، وبقدر ما تقترب من النثرية بقدر ما تقدم المعنى عن المبنى، وكلما قدمت المعنى كلما كان النص ذا معنى مشترك لا يمكن أن تأخذه إلا مجتمعا.
وكلما تقيدت بالوزن والقافية كلما اقتربت من الشاعرية أكثر، وكلما اقتربت منها قدمت اللفظ عن المعنى، وكلما قدمت المبنى كلما كانت لك حرية أكبر في اختيار المعنى،
فالشعر الحر إنما هو حر في اختيار الألفاظ للمعاني السابقة له،

والشعر العمودي إنما هو مقيد من جانب الألفاظ حر في اختيار المعاني، وإن قدمت اللفظ والمعنى معا! كان نظما أجوفا، وربما تقع في كثير من الجوازات القبيحة التي تضر باللغة ولا تخدمها، وإن جاز ذلك لأصحاب المنظومات والأرجوزات العلمية لم يجز للشاعر البتة..

-بقلم : الشاعر حمزة الحداد

تعليقات